د. نظير عياد: النبى قدم نموذجاً فريداً فى التعامل مع الأزمات والكوارث

الدكتور نظير عياد
الدكتور نظير عياد

كتب: عامر نفادى

ما أحوج الأمة الإسلامية أفراداً ومجتمعات إلى الركون إلى هدى النبى صلى الله عليه وسلم، واعتماده منهج حياة فيما دق وجل من أمورها فى عصر تنوعت أزماته، حتى أضحى المسلم فى حيرة من كثرة تطلبات الحلول لأزمات تلاحقه بين الحين والآخر، فى الوقت الذى حباه الله فيه بنماذج نبوية هادية مهدية، تعلو ولا يعلى عليها فى التعامل مع هذه الأزمات.

يقول الدكتور نظير عياد، أمين مجمع البحوث الإسلامية، إن الدارس لشخص النبى صلى الله عليه وسلم يجد نفسه أمام مثل نادر ونموذج فريد فى التعامل مع الأحداث والتصرف فى الأزمات، فقد كان صلى الله عليه وسلم مسددا بالوحى تحرسه العناية الإلهية وتؤيده الرعاية الربانية ومع هذا كان يقدر الأمور قدرها ويتعامل مع الأحداث وفق أحوالها ويوجه الأزمات بكل أشكالها وهو فى هذا كله يأخذ بالأسباب.

اقرأ ايضاً|أبو البركات البربرى يكتب :مغربى أسلم على يديه شعب المالديف

ويبحث عن الوسائل ويراجع أهل الرأى ويستعين بأرباب الخبرة ويراجع الظروف والأحداث ويعد العدة للواقع ويضع الخطط للمستقبل وكل ذلك رغبة منه فى معالجة المشكلات وحسن المواجهة للأزمات وجميل التصرف فى المواقف والأحداث.

حسن التصرف:

وتابع عياد قائلا: لنقف معه صلى الله عليه وسلم فى رحلته المباركة من مكة إلى المدينة فالناظر إلى هجرة النبى صلى الله عليه وسلم يجد أنه أبدع فى إدارة الأزمة بدءا من اتخاذ قرار الهجرة، وتحديد خط السير، واستعانته بخبراء فى الطرق، وتجهيزه لخطة إلهاء المتربصين به وإشغالهم عنه فضلا عن اتخاذ الوسائل التى تمكنه من معرفة ما يفكرون فيه وعلى ضوئه يكون تعامله فى الظروف الطارئة والأحداث الجديدة كان حريصا على أن يكون متواجدا فيها من خلال العين التى كانت تجلس بينهم وتسمع أقوالهم ثم تنقل ذلك له صلى الله عليه وسلم وقد قام بهذا الدور عبدالرحمن بن سيدنا أبي، حتى عملية الطعام وإيصاله إليه هو وصاحبه كانت محفوفة بكثير من المخاطر وكان من الممكن أن تكون سببا لكشف أمره لكنها كانت مرتبة بحكمة تكشف عن حسن إدارة وجميل تصرف.

إدارة الأزمات

ويضيف أمين مجمع البحوث الإسلامية، أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يتعامل مع الأزمات بمنهجية منظمة تأخذ فى اعتبارها كل جوانب الأزمة وتطوراتها، فكان فى هذا الأمر رغم أنه نبى يوحى إليه، إلا أنه كان يجتهد ويأخذ بكل الأسباب مع التوكل على الله، ولعل من أولى منهاجه صلى الله عليه وسلم فى التعامل مع الأزمات أنه كان يشاور أصحابه فى حال حدوث أى أمر طارئ، فقد شاورهم مثلا فى غزوة أحد بمقاتلة قريش فى المدينة أو فى خارجها، وقبل ذلك شاورهم صلى الله عليه وسلم فى شأن أسرى غزوة بدر فأشار أبو بكر الصديق رضى الله عنه بدفع الفدية منهم وتركهم، وأشار عمر بن الخطاب رضى الله عنه بقتل الأسرى، كما أنه نزل على رأى سلمان الفارسى عندما أشار بحفر الخندق، فالنبى صلى الله عليه وسلم كان يدير الأزمات باحترافية عالية، ففى كل أزمة كان لديه استراتيجية قوية فى التعامل النفسى معها، خاصة أن كثيراً من الأزمات التى تحدث و كانت تسبب حالة من الخوف والفزع لدى الناس خاصة فى أوقات الحروب التى كانت من أحلك الأزمات التى يواجهها الجيش أحيانا فيصاب بعض الجنود بتراجع معنوياتهم، ففى مثل هذه الحالات كان النبى صلى الله عليه وسلم يعمل جاهدا على رفع المعنويات أولا وتهيئة الأنفس للمقاومة وتحمل المسئولية، ومن أمثلة ذلك قبل غزوة بدر كان يطمأن أصحابه وجيشه ويعطيهم أملا فى المستقبل ويؤكد لهم أن أكبر صناديد قريش ممن كانوا يعذبون المسلمين فى مكة سوف يقتلون غدا على أيدى المسلمين، فعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: (كانَ يُرِينَا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مَصَارِعَ أَهْلِ بَدْرٍ، بالأمْسِ يقولُ: هذا مَصْرَعُ فُلَانٍ غَدًا، إنْ شَاءَ اللَّهُ، قالَ: فَقالَ عُمَرُ: فَوَالَّذِى بَعَثَهُ بالحَقِّ ما أَخْطَؤُوا الحُدُودَ الَّتى حَدَّ رَسولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم-).

مواجهة الشائعات

ويلفت عياد إلى أن من هدى النبى صلى الله عليه وسلم فى التعامل الأمثل مع الأزمات، أنه كان يحسن إدارة الإشاعات الكاذبة فلم يكن يسمح لأى إشاعة أن تفت فى عضد المسلمين، أو أن تنال من معنوياتهم، ومن ذلك أن حيى بن أخطب زعيم يهود خيبر جاء إلى كعب بن أسد القرظى زعيم بنى قريظة وما زال به حتى جعله ينقض عهده مع النبى صلى الله عليه وسلم، فلما وصل خبر ذلك إلى النبى رغب فى التأكد من صحة ذلك فبعث بسعد بن معاذ وسعد بن عبادة ومعهم عبد الله بن رواحة رضى الله عنهم إلى حصون بنى قريظة ليتأكدوا من صحة الخبر، وقال لهم: إن كان حقا فالحنوا لى لحنا أعرفه ولا تفتوا فى أعضاد الناس، وإن كان الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا به للناس.

الأخذ بالرأى

ويشير عياد إلى أن من أبرز الأمثلة التى تعامل فيها النبى صلى الله عليه وسلم بحكمة وواقعية غزوة الأحزاب عندما حشد الصحابة كلهم فى مواجهة جموع الأحزاب، وجعل النساء والذرارى فى الآطام، واستشار الصحابة للوقوف على آرائهم فى كيفية مواجهة الأحزاب وخطرهم، حتى توصلوا جميعا إلى فكرة حفر الخندق فى الشمال الغربى للمدينة، وهى الفكرة التى أشار بها سلمان الفارسى رضى الله عنه، ولقد استهجنت الأحزاب ذلك وشكلت عنصر مفاجأة لم يخطر لهم على بال، فلم تكن العرب تعرف ذلك فى جزيرتهم، ولقد كان لهذا الخندق الدور الكبير فى صد الأحزاب ومنعهم من دخول المدينة المنورة.

كذلك من خطة إدارة هذه الأزمة فكر النبى صلى الله عليه وسلم فى أن يصالح غطفان على ثلث تمر المدينة ويرجعوا عن قتال المسلمين، ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك إلا أن يشاور سيدى الأوس والخزرج فى ذلك فهما أصحاب النخيل أصلا فبعث إلى سعد بن معاذ سيد الأوس وسعد بن عبادة سيد الخزرج رضى الله عنهما ولما عرفا أن ذلك ليس وحيا من الله تعالى بل هو رأى منه صلى الله عليه وسلم ردا لخطر الأحزاب عنهم قائلاً له: والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم.

الأخذ بالأسباب

ويضيف أن النبى قرر أيضا فى خطة إدارة هذه الأزمة العمل على بث الأمل فى النفوس ومحاربة اليأس، ولقد كان الشعار المرفوع فى تلك الفترة كما قال ابن هشام فى سيرته قال: وكان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق وبنى قريظة: «حم لا ينصرون»، فكل ذلك يكشف عن أخذ النبى صلى الله عليه وسلم بالأسباب فى إدارة كل أزمة واجهها من أجل أن تصل رسالة هذا الدين العظيم لكل الناس.

ويعقب عياد على ذلك قائلا: لقد أعطى صلى الله عليه وسلم صورة حية فى التعامل الأمثل مع الإزمات، تكشف عن حنكة وخبرة ودراية، فلم يستبد بقول أو ينفرد برأى .

أو يقول بالقدرة على كل شيء ولو قال لكان صادقا فهو المؤيد بالوحى، لكنه أراد أن يربى أمة ويكشف عن أسلوب فى التعامل مع الأزمات.